يوم الزينة* " قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى". |
وتترقرق في عيني الدموع… فأحاول أن أداريها… وتنحدر على الوجه ملتهبة… وأصاب في الصدر بغصه… وتختفي الأفكار… وتتعثر الكلمات … ويتحول مشروع الدموع إلى بكاء… وأنا أشاهد مواكبة الجميع لمواكب الزينة… مواكب الأفراح العربية… في واشنطن… ووادي عربة. " والدار البيضاء" وغداً في الجولان، ومرج عيون… وقبلها في كامب ديفيد … وبكيت. وبكيت من شدة الهول. وبكيت من شدة الألم. وبكيت من عظم المأساة. وبكيت من شدة الخجل… وبكيت … من العجز ، وشدة القهر. وبكيت لا كما بكى أبو عبد الله الصغير… آخر ملوك العرب.. بكيت لما رأيت طبول السلم… ومزامير السلم.. ولما رأيت مواكب النفاق … وتهالك الضعفاء… وركوع العرب… وكبرياء الغرب..وصلف بني صهيون. ولما رأيت الحقائق تقلب… والأرض لم تزل تنهب.. والمجاهدون إرهابيون… متطرفون… وأصحاب الحق… خارجون… والقادة العظام متفهمون … واقعيون… معتدلون. والغزاة شهداء تحرير… والمستوطنون… مستثمرون. والحقائق لم تزل تقلب… وعلى نار هادئة تقلب. والتحريض على الاقتتال بيننا يستمر… والرهان كبير.. وبكيت زمن الحرب… ومن أجل الحرب… وبكيت زمن السلم… وعلى السلم… بكيت.. كلما طبلوا… كلما زمروا… كلما هتفوا… وعلى الغاصبين ترحموا… بكيت على شهداء الوطن… والذين من أجل الوطن… سُجنوا..عُذبوا … شُردوا… سُقطوا.. قُتلوا… وبأقذع التهم..قُذفوا. وفي يوم الزيتة "عفواً أيام الزينة" نسي العرب شهداء الأمس..، وأبطال الأمس…، والذين من أجل الحق ضحوا.. ومن كانوا للوطن فداء من أجل راية الإسلام… من أجل قدس الإسلام. وبكيت على العلماء الذين يحرفون كلام الله..، ويفسرونه كما يهوى المسؤولون.. ويطلبون رضاهم… وعلى الله يفترون ويكذبون… وينافقون… وعلى العروبة بكيت… ومن أجل كل الأبعاد… بكيت. فالله أكبر لم تعد تثير لهم نخوة… والله أكبر لم تعد تحرك فيهم حمية… والله أكبر لم تعد يسمح لها أن ترفع إلا في مواقيت الصلاة… ومن يدري؟ … كم" أتاتورك" جديد قادم… وكم منهم قابع ورباط الخيل تخطيناه… وحولناه… فخيولنا لم تعد للحرب.. بل من أجل المراهنات… والسباقات….، فخيل اليوم قد كبت في ميادين القتال… وفي مضمار الحرب. وفرسانها اليوم مستأجرون..، وفرساننا اليوم مدعون، وبين الملاهي… والأماني العذاب… تائهون … يتغنون بجند ليسوا بجندهم...وبسلاح لم يصنعوه… ولباس ما نسجوه…."وسرابيلهم من قطران". وبكيت على البالونات التي أطلقت… من أجل السلام… فحملتها الرياح … وطارت بها بعيداً… فمنها ما سقط على شوك الصحراء ولم يعد..، ومنها ما سقط على جلاميد الصخر ولم يعد..، بالونات أطلقت… وسلام به يتغنون… وأي سلام !!! سلام المنتصر… القوي… المدعوم… المفروض على المهزومين.. الفقراء.. والضعفاء… سلام فيه الذل، وإن غلف ببيارق النصر..، أو بطبول النصر أو بأهازيج النصر أو بعرضة الحرب .... نحن أدرى الناس، بهذا السلام…، فله صفقنا… وله هتفنا وما نلنا إلا مزيداً من الإذلال. سلام فرض علينا.. سلام الأحلام الوردية… تذيبها الصحوة… وتبددها اليقظة.. فالتباكي على اللاجئين لا يعيدهم وزراعة الصحراء لن تشبع جوعهم… ونزع الألغام في ظاهره الرحمة.. وفي باطنه العذاب.. والصحراء الخضراء لن تأتي… أحلام، وأماني تنثر، كما تنثر الورود على القبور… وأضغاث أحلام… أضغاث أحلام . فالسلام المفروض لن يغير مجرى التاريخ… ولن يستبدل بالحرب… و السلام الذي لا يعيد لي الحق لن يدوم. والسلام الذي لا يقوم على مبدأ العدل لن يدوم. والسلام الذي لا يقوم على أساس متين حتماً مهدوم. فكيف يقوم سلام يعتمد على حصار يتلوه حصار…. حتى وإن قاد الجوقة الموسيقية…"المايسترو العظيم" الذي أعطى الإشارة… لصاحب الطبل.. فطبل… ولصاحب المزمار… فزمر… ولصاحب البوق فنفخ… وانحنى أمام الجمهور فصفق له الحاضرون… ورقص- خلف الستار الكثيرون… فنحن في عالم لم يزل يضع بينه وبين الحقيقة… ستاراً وأي ستار… فلن يكون هناك سلام. وما هي إلا ليلة عرس… ينفض بعدها المولد… وتبقى الآثار… والعظام.. ودم العروس.. وأبقى وحيداً… لأنهم تسابقوا… ليسبقوني… ولم ينتظروا ليروا ماذا صنع السلام لي… ماذا أعطاني السلام أنا لب المشكلة..، وأساس القضية. لن يكون هناك سلام… وأنا لم أحقق منه شيء وعنه مغيب وصاحب الأرض … عليه أرضه محرمه.. وصاحب البيت لا يستطيع الوصول إليه… وحصار يتلوه… حصار وطلبات أبسطها إثارة فتنة الاقتتال… وخنق المعارضة. - قد يدوم السلام مع مصر… فقد استعادت أرضها… - قد يدوم السلام مع الأردن… فقد حددت حدودها.. - قد يدوم السلام مع سورية ولبنان… فقد عرف كل مصيره وخط حدوده . - قد يدوم السلام مع كل الأطراف… عدآي أنا… فالكل منهم استعاد حقه..، واستعاد أرضه..، واسترجع بعضاً من كرامته..، عدآي أنا… فحقي مضيع.. والسلام بدوني لن يدوم.. فسلامي غير هذا السلام… وإن تبارى القوم وتهالكوا… في طلب السلام… وبالونات السلام. وإن تباروا في الضغط علي الإنسان الفلسطيني في كل مكان.. من أجل أن يركعوه للسلام المفروض فمسلسل الحصار… مستمر ومنفذ حسب ما خططت له الصهيونية . ومسلسل التجويع… مستمر ومنفذ ومسلسل قطع الأرزاق… مستمر ومنفذ ومسلسل الترحيل… مستمر وكل يوم ينفذ ويتدفق ومسلسل الحجز اللاأخلاقي في المعابر والمطارات يزداد يوماً إثر يوم… وتملكتهم النزعات المتوحشة من أجل السيطرة علينا… ويشترك الجميع وبلا استثناء في هذه المسيرة..، لتعذيب الإنسان الفلسطيني… حتى يخضع لذل السلام المفروض ومن أجل أن يرغم… فيوقع… دون اعتبار لقرارات الشرعية الدولية… والتي بها يتغنون - ودون اعتبار لأبسط حقوق الإنسان- حقه في أرضه.. في بيته… في معتقده في تنقله وترحاله هذه الحقوق والتي بها يتشدقــــــون. فحاصروا… ما شاء لكم الحصار… ورحلوا من شاء لكم ترحيله، وضيقوا علينا سبل العيش ما قدرتم.. فهناك من هو عليكم أقدر… فرزقنا في السماء .. ومن السماء نطلبه. واحجزوا على المعابر والحدود ما استطعتم… واحجزوا في المطارات وامنعوا ما شئتم… وما قدرتم.. فإن قدرتم اليوم علينا… فلن تقدروا على من سيجيء من بعدنا. ومهما حجزتم وأبعدتم.. ورحلتم فحبنا للوطن يكبر.. ومن أجل الوصول إليه شبراً أو متراً سنتحمل أكثر، وكلما أهنتمونا فحبنا له يزداد … أكثر وأكبر… فو الله إن كبرياءنا… أكبر… والسلاح الذي حاربنا فيه أعداءنا وعلى كل الجبهات لم يزل معنا… وإن القلوب التي تنبض بالحياة وبحب فلسطين الوطن لم تزل في صدورنا وإن التاريخ سيكشف للأجيال القادمة هول المصيبة… وخيانة القادة العظام . تاريخ يسجله الغرب لا العرب. ليكشف لنا الزيف ولو بعد حين . وبكيت حرقة… وكمداً… لا كما بكى أبو عبد الله الصغير كالنساء ملكاً مضاعاً.. لم يحافظ عليه كالرجال. بل بكيت علي أمة العرب … وعلى رجال هذه الأمة… بكيت أمة العرب.. وبكيت أمة الإسلام… فالأيام السود لم تأت بعد..، وكأن أمة اليوم، لم تسمع بأبي عبد الله الصغير فأبو عبد الله لم يزل يقبع في أعماق كل عربي.. فكان أبو عبد الله بالأمس واحداً.. أما اليوم فهم كثر.. فكلهم عبيد " اللآت" وعبيد الذات… بكيت أمة نسيت تاريخها فلم تأخذه منه عبرة…نسيت نفسها ، أخذتها العزة بالإثم ، ولم تقرأ من أمجادها إلا قصص بطولات مدبلجة، لتجترها، وتشاهد مسلسلات لاتعي منها شيئاً وبكيت…لا لأن الشظايا مزقتني… ولا لأن جراحي لم تزل راعفه… وبكيت لا لأني سأبقى وحيداً… وبكيت لا لحزن ألم بي… ولكن على أمتي بكيت… ومن أجلها بكيت لأني من أجلها طعنت، ومن أجلها حلمت ومن أجلها صودرت أحلامي… ومزقت أمجادي… ولكني لم أزل أرنو إلى الأفق البعيد… فغداً تتعرى النصب والأزلام.. فهذا زمن الرداءة.. زمن صمت فيه الحكماء لأنهم إن نطقوا صدقاً أغضبوا السلطان، وإن نطقوا كذباً عصوا الرحمن. زمن الضغوط الدولية… والغربية… والعربية… والنفسية . زمن سيطرت فيه وسائل الإعلام على الجماهير فضللتها . وصناع القرار إما مرتشون أو مأجورون . زمن الضعيف الذي يظن بأن الحق سيأتيه وهو نائم. زمن المدعين بأن إبراهيم أبونا وأبوهم… فإبراهيم أبو العرب… إبراهيم أبو اليهود من العرب إبراهيم أبو النصارى من العرب… وإبراهيم أبو المسلمين من العرب.. إبراهيم أبو كل الأنبياء، وهم من العرب… نعم إبراهيم أبونا… وأبوهم من الغرب.. نعم أبوهم الشيطان .... إنه زمن الرداءة، زمن مواكب الزينة..، زمن الحقائق المقلوبة، والنصر المزعوم..، زمن من لا يتطلع إلى المستقبل البعيد.. زمن الدهماء… زمن الحقائق المقلوبة…"وما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً… وما كان المشركين" * اتفاقية السلام في وادي عربه . أكتوبر 1994م |