ومررت على الديار

وعلى أطلال القصر الكبير وقفت تأملت.

وهاجني الحنين، وعادت بي الذكرى.

واغرورقت بالدموع عيناي، وحاولت أن أحبس الدمع فعصاني

وانحدرت على وجنتي قطرات من الدمع من الدم

فكان لهيبها حارقاً وتيارها جارفاً

بالأمس كنت طفلاً

علوت سطحه أرفع الأذان

وأرقب الغادين والرائحين

وتذكرت

كيف حفروا من حوله الخنادق لمقاومة العدوان

وكيف "رصوا" فوق سطحه أكياس الرمل متاريساً

وكم في ظله مدت المفارش والبسط

وكم في شرفته داعبنا النسيم العليل.

ولما سار بنا الظعن في تلك الليلة القمرية

نظرت إليه نظرة الوداع، إلى حين وما كنت أظن أن الفراق سيدوم طويلاً

ويطوف قلبي

بالديار وبالكروم بالرمل بالشجر.

وناجتني حجارة القصر، وشوشات تلمست منها.

الدمع منفجرا

وناغتني ضلوع الصبر قائلة:

أنا الصبر وأنتمو أهلي

فهل أفقد الصبرا

وحفيف أوراق السِدر قالت طال الغياب

فصبراً أهل ألبها صبراً

وشقائق النعمان يلهوا بها النسيم حمراً زادها الخال جمالاً

وازدانت الأرض بالأزاهير

أشكالاً وألواناً

وملأت الكون. شذى وعطرا

وسنابل القمح تتهادى مع نسيمات العصر

يمنة ويسرى تتماوج في دلال

تنحني بالرأس من كبرياء العطاء في تواضع

لا فارعات فارغات

فنزيد للرحمن في عطائه شكراً

وتذكرت

وتذكرت مضارب البيوت شَعْراً وشِعْـــراً

وتذكرت ليال عاصفات زمجر الريح فيها

وعوى في ضلوع البيت ينفث البــــردا

وفي الليلة الظلماء:

يشق سكون البرية كلب يجوح وعواء ذئب

فنخاف

وتفتح الأم لنا صدراً وتربت لنا الأم ظهراً

وتطلب من الرحمن لنا ستراً. فننام

وصياح الديك يوقظنا فجراً

فننهض والرعاة لنبدأ يوماً جديداً

مع شدو بلبل غريد مع شقشقات العصافير

مع ثغاء الحملان مع رفوف الزرازير

مع سرب القطا مع صهيل الخيل

أصوات تملأ الأرض تملأ الكون ألحاناً عذابا

وتهادت الشمس صوب المغيب

فازدان ألبها مع احمرار الغروب سحراً

مارس 1997          

أحمد حسن الإفرنجي