سأبقي عربياً فالإسلام ديني
وأنا فلسطيني

أحمد حسن الإفرنجي

الدوحة 15/10/1993 

أنا بدوي من قلب صحراء النقب، من جنوب فلسطين.

في وادي البهاء ولدت، ترعرعت، وفي بئر السبع بدأت، تعلمت، وإلى غزة هاشم ومرغما نزحت.

أنا مواطن، أنا لاجئ، أنا نازح، أنا عائد، كيفما تشاء سمني.

أنا أخ، أنا رفيق، أنا صديق، أنا مهاجر، أنا مغترب، أنا وافد، أنا طريد، أنا ثائر، أنا فدائي، أنا إرهابي، كيفما تشاء ناديني.

أنا من قبل ومن بعد، فلسطيني، فلسطيني، في عروقي، في دمي، في لحمي، في عظمي، في كل خلية من جسمي، في حياتي، في مماتي أنا فلسطيني... أنا فلسطيني...

عربي اللسان... قومي البعد... إسلامي الفكر... ولكنهم أرغموني...لأنادي... أنا فلسطيني... أنا فلسطيني...

طردتُ، هجرت، قربت، أبعدت، ركبت البحر، جزت الصحراء، اخترقت الفضاء، فأنا حللت أو رحلت فأنا فلسطيني.

فجرحي يكبر، وكبريائي، فأنا لم أزل ولن أزال فلسطيني.

كفاني عنجهيات الأحزاب ونظرياتها، ودبلجاتها، فقد عفت منابر الخطابة، وجلسات التنظير و حلقات الذكر.....و ميكروفونات الإذاعات، وصهيل الجياد المربوطة، وصمت المدافع الأبدي، وتصريحات الزعماء، وصراخ الدهماء كفاني... كفاني... فكلها لم تعد لي بقعة أرضٍ، وفي النهاية إنها تؤذيني فإلى يد السجان تسلمني، وكل على هواه يسجل في ملفي.. ألف تهمة وتهمة ليؤذيني.. وعلي رأسها أني فلسطيني

ففي ملفي وجدوا كل التهم:...

فأنا بعثي، قومي، يميني، يساري، عروبي، علماني، إسلامي الميول..... 

وكل على هواه يسجل في ملفي، وملفاته.

ما يؤذيني. ولكني في النهاية فلسطيني.

ركبت كل الأمواج، لعلى أصل إلى شاطئ الأمان. هتفت لكل الزعماء العرب. وأنشدت أهازيج العودة. وفي المتاهة وحيداً بقيت خلف جيفارا، وكاستروا، وديمقراطية الغرب وعدالة الغرب، وصداقة الشرق، ركضت، لهثت، سراب في سراب، ومن سراب إلى سراب وصلت. قالوا حفاظاً على جذوة القضية و وهيج القضية و قدسية القضية، و عروبة القضية... ودعماً للقضية. وباسم القضية يقتل إنسان القضية و باسم القضية...يعذب، يسجن، يبعد، يقتل إنسان القضية. ولم تحل القضية، فأي قضية بدون إنسان تفقد معنى القضية.

ومرت آلاف القضايا، وحلت آلاف القضايا، أما أنا ففي المتاهة بقيت.

هذا يهددني، وهذا يتودعني، وذاك يعدني وعلى الحدود أمنع، وفي دهاليز المطارات أحجز، ومخفوراً وتحت السيطرة أبعد، وعند أجهزة الأمن أصلب. وفي المخافر يطول بي الانتظار.

والقانون في الوطن الكبير (قانونان اثنان) للعالم، ولي، نعم لي لوحدي قانون.. ترى لم؟؟

لأني فلسطين...

حتى لو كنت أحمل جوازاً أمريكياً، أو كندياً، أو أسترالياً، أو بريطانياً.

فعند حدود الوطن الكبير يمر الكل، عداي أنا.. فأنا أمنع، أمنع من الدخول، من الزيارة.. من السياحة...لا لشيئ إلا لأني فلسطيني أو من أصلٍ فلسطيني.

أمن أجل القضية الكبرى هذه وقفتكم...و يتبجحون بلا حياء يقولون (حرصاً منا عليكم... وهذه الإجراءات لمصلحتكم) ؟؟؟؟؟

أدعم القضية المركزية لا يمردون أن يُهان إنسان القضية..أم هو الحقد الدفين أم هي إرادة الساسة العظام في العالم الكبير...

أما ماذا؟ لست أدري إلا أنني منعت نعم منعت.

لأني من أصل فلسطيني، ولأني فلسطيني. وسأبقي "رغم كل هذا". فلسطيني وسأبقي عربياً رغم كل هذا وسيبقى الإسلام ديني وسيبقى الإسلام ديني.

مهما سجنت، مهما عذبت، مهما حجزت، مهما صلبت ومهما وجدتم في ملفاتي من التهم سأبقي، سأبقي فلسطيني...

وسأسير على الدرب، وفي الدرب، ومن أراد منكم أن يرفدني، عربياً كان أم مسلما فليرفدني من أجل فِلسطينِ..دون مِنّةٍ.. دون تجارة.. وليرفدني عن يقين.

أنا ما غيرت أصلي ولن أتخلى عن عروبتي ولن أتخلى عن إسلامي...

لكنة الوضع الردئ لأخوتي يدفعني...

لكنه الأسلوب البذئ يدفعني...

لكنه السلوك المشين يدفعني... لأنادي أنادي أنا فلسطيني أنا فلسطيني .

أنا عائد ولو لبقعة أرضٍ، ومن لم يعد معي وفي انتظار مواكب النصر، مواكب الزحف من إندونيسيا من الباكستان، من إيران، من الوطن العربي الكبير.. فأنا في انتظارهم.. هناك.. هناك على بقعة من أرضي...

رغم يقيني بأن مواكب النصر لم تزل في عالم الغيب

لأني انتظرتها، منذ زمن...بعيد

إنها في انتظار صلاح الدين... ، أو عودة خالدٍ ..

فلا تقل لي صلاح الدين قادمٌ.

فصلاح الدين قد مات.

وقد ماتت نخوة العرب

وماتت نخوة العجم

فلكل زمان قادته

ولكل زمان ساسته

ولكل زمان رُسلُ

دعني، دعني أعود، دعني أربي جيلاً جديداً...

دعني أبذر في ثُراها حَبيّ، وحُبي، وأغرس في طينها بيدي نبتاً غداً يظللني...غداً يحميني. ويعيدني لفلسطيني

فنحن في حاجة لمن يخرج من بين الصفوف لا من بين القبور من تحت الركام، من بين الحطام من بين الخيام، فذاك يقيني. دعني أكون رأس حربة..دعني أودع الغربة.. أودع البؤس، أودع الهروب ولو تحت سور من الطين. هناك هناك.. على ثرى فلسطين.

قد لا أكون اليوم معول هدم، لكن بذوري في الصخر.... في الأرض، ستزهر يوماً، ولو بعد حين....

أنا ما يئست، أنا ما ضعفت، ولا وهنت، ولكني صحوت، وعلى الدرب خطوت... فمن لم يعد معي وفي انتظارهم؟؟

أهلاً بهم مع بيارق النصر، إن جاءت لترفدني أو لتنقذني، أهلاً ببيارق النصر إن جاءت من أحفاد خالد، أو أحفاد صلاح الدين أو حتى من الصين.

أما أنا فإني عائد لأي شبر لأبذر....حَبيّ و حُبي...

وسأبقى فلسطيني ولكل فلسطين

ورغم كل الجراح

سأبقي عربياً وسيبقي الإسلام ديني.