من المسؤول

بقلم: أحمد حسن الإفرنجي
 غزة، يناير1994

من المسؤول عن هذا الانقلاب. من المسؤول عن هذه التجاوزات. من المسؤول عن فوضى التنظيمات. من المسؤول عن صراع المرجعيات. من المسؤول عن جماهير تعيش في متاهات. من المسؤول عن مواطن صريع التناقضات. من المسؤول عن تحول الصقور إلى كواسر، وعلى الأهل فقط. من المسؤول عن تحول الحماس إلى تجاوزات،و على الأهل فقط. من المسؤول عن قتل مواطن برئ راح ضحية بين صراع تنظيمات غير بريئة،وغير مسؤولة. من المسؤول عن هذه التراكمات الجاثمة على صدر وطني. من المسؤول عن تساقط الشباب صرعى الاشتباكات في المخيمات، والمدن، والقرى،.. دم يذهب هدراً، وطاقة تقتل وليدة. من المسؤول عن قتل إنسان ألصقت به تهمة.. ولُصق له بيان، وشُوهت سُمعته ودمر أهله بلا ذنب.

من الذي حقق، وبأي حق، ومن الذي أدان وهل هو وأثق من ذلك. ومن الذي نفذ.. وبأي ضمير، وبأي وسيلة وماذا ينفع إعادة الاعتبار، بعد تنفيذ القرار، وهل يأمن الذين قتلوا.. سلطان ذوي القتيل، وهل يبدأ مسلسل الله أعلم إلى أين يسير، أتقتلون أنفسكم، أتسفكون دماءكم، أنسيتم قول الله " يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".

لم نسمع يوماً بيهودي قتل يهودياً، ولا بجماعة يهودية حملت السلاح في وجه جماعة يهودية مخالفة لها في الرأي. لقد تلاشت كل تناقضاتهم للوقوف ضدنا لقتالنا، للتصدي لنا،" أليس فيكم رجل رشيد".

يا أهلنا... يا قادتنا... يا علمائنا...يا مشايخنا... يا عقلائنا ألسنا في حاجة إلى وقفه مع النفس.. دون تشنج.. دون أن تأخذنا العزة بالإثم .. نقف مع النفس ونقيم وضعنا..ونعيد ترتيب بيتنا وأسلوب عملنا، ووسائل مقاومتنا.

فالثائر الحق هو الرائد أبداً، والرائد الحق هو الذي لا يكذب أهله، والثائر الحق هو من لا يخاف من شعبه، فالخائف من شعبه كالخائن لشبعه سواء بسواء.

الثائر هو من يؤثر الوطن على نفسه، دون تطلع لمكسب شخصي، فهدفه نصر يتحقق، وراية خفاقة ترفع، ووطن آمن، ومواطن شجاع لا يشوه صورته تزييف أو مبالغة، أو تضخيم.

لقد أعطت الانتفاضة عطاءً لا حدود له وكانت فريدة في أسلوبها ووسيلتها غنية بأبنائها،. ورجالها ونسائها،.. متطورة في مسيرتها،. خلاقة في عملها عالمية في بعدها.. فبالطفل هزمت جنرالات.

وبالحجر أوقفت دبابات، والله أكبر هزت دولاً وحكومات،. وكشفت من هم الإرهابيون حقاً.. ومن هم الضالعون في المؤامرة حقاً..

وقد أعطى الإضراب عطاءه يوم أن كان العدو يَنقض على المحلات لينتزع أبوابها، ويصادر ما فيها.. ويفرض الغرامات.ويضرب،ويدمر، وينهب. فكان صدى ذلك في كشف كذب العدو كبير وقد آن الأوان كي نجدد في الوسيلة، ونطور في الأسلوب لأن لكل عطاءٍ حدودا وقمة العطاء أن لا ينقلب العطاء إلى بلاء. وحكمة القيادة في تنويع " التكتيك" وفي اختيار الوسيلة، التي لا تنهك المواطن وتهلكه أو تثقل كاهله ، فلم يعد يكترث العدو بالإضراب وبالمسيرات.. ولقد صمت آذان، وعميت عيون. الإعلام الخارجي عنا

واخترع العدو سبلاً جديدة، فجعل الإضراب ينقلب إلى دمار علينا...

واصبح الكل ضائعاً بين تنظيم وآخر.. بين دمار، ودمار، بين مُنظرٍ قابع، ومُنظرٍ لاهٍ.،. بين فاكسٍ يأمر،. وآخر يُلغي ما أمر. بين بطالة تخيم، وفقر يزحف، وحصار يشتد، وحاجة تزداد وجريمة تطل بأنيابها. سنونٌ عجاف، وخطر داهم.. وأمراض تتربص.

فالمواطن واجم عيل صبره.

والسائق واجم فقد مورده. والمدرس قل عطاؤه. والطالب تلاشى تحصيله. والتاجر نضب معينه،

والمزارع جف زرعه وجرفت أرضه. والعامل ضاع قوت يومه. والموظف هائمٌ والكل في ضياع.

وما أحوجنا اليوم إلى تنظيم رائد، إلى جيل رائد، يعتمد التخطيط المدروس له وسيلة لنيل مطالب شعبه.

ما أحوجنا اليوم إلى أصحاب الفكر، والعقلاء، إلى أصحاب الرأي السديد.. إلى أصحاب العطاء.

ما أحوجنا إلى من يبدأ مسيرة بناء الوطن..، فالمسيرة شاقة، والطريق ملئ بالألغام وصراعنا مع العدو طويلٌ طويل.

ما أحوجنا اليوم إلى إنشاء صندوق منا ولنا.

صندوق نجمع فيه من التاجر، والعامل، والسائق، والموظف، والطالب عطاءً لا مِنة فيه.

صندوق:- منه نسد حاجة معتقل ونأخذ بيد أسرته.

-         منه نسد حاجة فقير معدم.

-         منه نوفر لمريض دواءً فنداويه.

-         منه نبني مدرسة ونشيد مسجداً.

-         منه نرصف شارعاً ونعيد بناءً تهدم.

-         منه ننشئ مؤسساتٍ صغيرة.. لتوفر عملا للكثيرين من الشباب...

-         منه نبني ولا نهدم.

ما أحوجنا اليوم إلى الاعتماد على أنفسنا على جهودنا الذاتية دون حاجة لمِنّة مِن أحد. ما أحوجنا لجيل يضرب للعالم مثلاً يحتذى به فنسجل للتاريخ وللأجيال

" بأن شعب فلسطين نهض مارداً من بين الركام والحطام، فبنى مجداً لأمته واستعاد أرضه بجهده ودم أبناءه ".

ونحن حقاً في حاجة.

      v        إلى رعيل لا يخاف في الحق لومه لائم.

  v   رجال تقود ولا تنقاد. رجال تتقدم الصفوف لا تركن إلى المكاتب. رجال وازعهم ضمير حي. وحب الوطن عندهم لا تساويه كل أموال الدنيا.

   رجال تقول:

      v        أكوام القمامة لم تلق بها الإمبريالية، ولكننا فعلناها وعلينا جمعها وحرقها ودفنها.

      v        نافورات البالوعات لم تصنعها الرجعية، ولكننا صنعناها وعلينا تغيير مجراها.

      v        الرمال المتكدسة في الشوارع من أثارنا وليست من بقايا الاستعمار، وعلينا يقع عبء إزالتها ونريد من يقول.

      v        للطالب اجتهد وجِد فقد كفى ضياعاً، فضياعك ضياع للأمة ومستقبلها.

      v        وللسائق سر بنظام والتزم به طائعاً مختاراً، لا خائفاً.

      v        وللموظف أنجز عملك حاسب نفسك قبل أن يأتيك يوم الحساب.

      v        وللتاجر اتق الله.. في أهلك وقومك واكسب حلالاً.

  v   ولتاجر الأغذية الفاسدة، أنت مارق، أنت فاسق قف عند حدك، أنت خائن لوطنك وأمتك. و كل من أخذ من يدك أو بيدك خائن مثلك...

نحن بحاجة إلى رجال يحطمون مسيرة الخوف ويخشون الله.

نحن بحاجة إلى بناء وطن يعتمد على سواعد بنية.

نحن بحاجة لمن ينادي.

لا إضرابات ولا مسيرات استعراضية ولا تخاذل بعد اليوم، ولكنها أيام عملٍ، وأيام بناء وأيام علاج المعوزين، يوم لنظافة البلد، ويوم للدفاع عن حقوق الإنسان، أيام إنجاز، أيام عطاء، أيام ندرأ فيها عن الوطن خطراً داهماً، ومرضاً فاتكاً. أيام نزيح عن صدره كوابيس محتل، أيام عمل إيجابي نغيظ به العدا، فنحن الذين نفرض على العالم احترامنا بالاتحاد بيننا بالنظام سلوكاً وبالعمل إنجازا .

" وقل اعملوا فسير الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

والمؤمنون هم المواطنون من أهلي ومن بلدي.